من منا لم تصله رسالة من شخص أو أشخاص, تتضمن أحاديث نبوية و آيات قرآنية أو إحداهما أو حلما بالرسول صلى الله عليه و سلم أو غير ذلك, و تكون الرسالة مختومة بعبارة : أنشرها و لك كذا و كذا أو في بعض الأحيان ب: أرسلها لعشرة أصدقاء و ستحصل على كذا و كذا, أو خواتم من هذا القبيل. فما حكم هذه الرسائل؟ و كيف لنا أن نتعامل معها؟
قبل الخوض في تفاصيل الحكم لابد لنا من معرفة ديننا حتى لا يستهوينا كل من هب و دب, و لابد من تحديد واجباتنا تجاه الإسلام لكي نتعلم طريقة عبادة الله جل و علا على نهج سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم, فالإسلام دين كامل جاء من عند الله جل و علا و أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم عن طريق جبريل عليه السلام. قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت نعمتي عليكم و رضيت لكم الإسلام دينا. و قال عز من قائل: نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين. و قال تعالى: و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين.
من هذه الآيات الكريمة نعلم أولا أن مصدر الإسلام هو الله تعالى و أن الرسول صلى الله عليه و سلم مبلغ عن ربه و أن ما جاء به عليه الصلاة و السلام هو الإسلام بعينه لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى من لدن الله تعالى و أن جبريل واسطة بين الله تعالى و رسوله, ثم أن الإسلام وحده هو الدين الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.
لذلك حذرنا النبي صلى الله عليه و سلم من الإبتداع و الزيادة في الدين, و اعتبر البدعة ضلالة تهدي صاحبها إلى النار و العياذ بالله, و البدعة هي إحداث طريقة جديدة للعبادة تخالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم أو زيادة أمور في الدين و جعلها منه, و كل ذلك محرم فعله, لأنه إنكار لكمال الإسلام و جحود لعلم الله ذلك أن المبتدع يزيد أشياء ما كان الله تعالى لينساها أبدا و لكن رحمة منه بنا غير نسيان, و يلزم بذلك المبتدع الناس بما لم يلزمهم به الله و في ذلك إثم كبير و تقوُّل على الله جل و علا.
و عليه فكل رسالة جاءتك من شخص معين تحمل دلالات التشريع الإلاهي فهي بدعة بدليل أن محمد هو رسول الله و ليس بعده رسول يأتينا بجديد إضافة إلى أن ديننا هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الأبرار و أن ما دون ذلك فهو مجرد أكاذيب الغرض منها ثني المسلمين عن معتقدهم الحقيقي, و ابعادهم عن نهج الحق و سبيل الرشاد و طريق التقوى و الهداية.
هذه الرسائل ابتدأها الملحدون أول مرة و كان الغرض منها حينها هو قياس مدى غباء المسلمين و كانوا يكتبون مثل هذه الرسائل و ينشرونها في موقع أو موقعين و لا يكاد أسبوع واحد ينتهي حتى تعمم الرسائل و تنشر في مواقع كثيرة يعجزون عن إحصائها فيزداد استهزاؤهم بالإسلام و يكثر الإقبال على معتقدهم المنكر لوجود الله, ثم جُعِلت فيما بعد وسيلة لإلهاء الناس و جعلهم منشغلين بإعادة إرسالها إلى عدد معين من الأشخاص حتى يتجنبوا الوعيد المذكور فيها و يحصلوا على بشارتها, ثم انتشرت بشكل واسع بين شباب الأمة الإسلامية و بدأ البعض يرجو ثواب الله و ينويها كدعوة إلى الله و يكثر من إرسالها و نشرها بكل ما تحويه من عبارات دون التدقيق و التمحيص فيها.
و بذلك كثرت البدع و انتشرت كالنار في الهشيم في سائر البلدان الإسلامية و استغل بعض أعداء التوحيد ذلك لنفث سموم عدائهم و تزييف معتقد الإسلام عبر إرسال تلك الرسائل بآيات مزيفة و أحاديث محرفة لا تمت بصلة إلى ديننا و لا تتضمن سماحة الإسلام و سمو معانيه الروحانية, فتصنع بذلك شبابا مسلمين بالإسم و بعيدين كل البعد عن طريق الحق و النهج الصحيح, يجعلون من الإسلام دينا للرعب و الإرهاب و قتل الأنفس و الإفساد في الأرض.
لذلك فإن الواجب على كل مسلم استقبل رسالة على شاكلة ما أوردناه ما يلي:
1 – قراءة الرسالة بتأن و فهم مضمونها جيدا.
2 - البحث و سؤال أهل العلم عن مدى صحة المضمون, فإن كانت آية : لابد من العودة إلى المصحف الكريم و مقارنتها بالتي به, و إن كانت حديثا لابد من الوقوف على تخريجه و مدى صحة المتن و السند مع البحث عن أقوال الأئمة فيه بالتدقيق و التمحيص.
3 – إذا كانت تتضمن عبارة أرسلها إلى عدد من الأشخاص لتنال بشارة أو يزول همك على سبيل المثال فلا ترسلها و لو كان المضمون صحيحا, لأن في ذلك تقولا على الله و ابتداعا في دينه.
4 - فإن كانت تتضمن في الختام مثلا: أرسلها لتنال أجر من قرأها و عمل بها و ابتغ بها وجه الله, فلا بأس بنشرها لتذكير إخواننا من الغافلين بقراءة القرآن الكريم و التمسك بسنة النبي صلى الله عليه و سلم.
لأن الحرمة الموجودة بها تكمن في التقول على الله تعالى بغير علم, و تقييد الحصول على بشارتها بشرط الإرسال على هوى الكاتب فحين يكتب مثلا: أرسلها لعشرة من أصدقاءك لتسمع أخبارا سارة هذه الليلة, فهو إما أن يكون عالما للغيب و ذلك مستحيل قطعا, أو أن يكون نبيا مرسلا و هو أمر مستحيل كذلك أو أن يكون كاذبا و هو أصح تقدير و به أقول.
و البعض الآخر قد يدعي رؤية النبي في المنام و أنه قد كلفه بتبليغ رسالة ما إلى الناس, و هو أمر مردود على صاحبه كذلك لأن الإسلام كما سبق و أن أشرت في بداية المقال دين كامل و أن ما لم يكن دينا لأول الأمة ما كان ليكون دينا لآخرها, فاحذوا من تلفيقات أعداء الدين.
نسأل الله جل و علا أن يبصرنا بعيوبنا و يجنبنا الفتن, إنه ولي ذلك و القادر عليه.