مركز الحياة

إذا أردت أن ترسم قطرًا للدائرة، وهو يمثل أطول خط مستقيم بين نقطتين داخل محيط الدائرة، فلابد أن يمر هذا الخط بمركز تلك الدائرة، وإن أردت أن تحسب نصف قطر الدائرة، محيطها ومساحتها وكل قياساتها، فلابد أيضًا أن تبدأ القياس من مركز تلك الدائرة.
وعلى نفس المنوال يكون مسار حياة كل منا، فلكل منا مركز اهتمام يدور في فلكه، فكل أفعاله وتصرفاته تنبع من هذا المركز، يقول ستيفن كوفي: (حتى نستطيع أن نسجل رسالة حياتنا الشخصية يجب أن نبدأ من المركز الفعلي لدائرة التأثير والذي يضم معظم التصورات الذهنية الأساسية إضافة إلى أنه العين التي نرى من خلالها) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(151)].
رباعية مركز الحياة:
وتتنوع مراكز حياة الناس بتنوع همومهم، فتجد بعض الناس مركز حياتهم المال، وآخرين مركز حياتهم المتعة، وآخرين مركز حياتهم الأصدقاء إلى غير ذلك.
ويتفرع عن كل مركز من مراكز الحياة أربع نقاط هامة، وهي:
1. مصدر الأمان:
أي شعورك بقيمتك وشخصيتك وملاذك الشعوري، وتقديرك لذاتك وقوتك الشخصية الأساسية.
2. مصدر الحكمة:
أي منظورك للحياة وشعورك بالتوازن وهي تتضمن حسن الحكم على الأمور وصواب الرأي والتفهم.
3. مصدر التوجيه:
أي مصدر توجهك في الحياة، وهو الأمر الحاكم لتصرفاتك، والمؤثر على قراراتك وخيارتك.
4. مصدر القوة:
وهي القدرة أو ملكة التنفيذ، والقدرة على إكمال الشيء، وهي أيضا تتضمن القدرة على التغلب على العادات الثابتة العميقة الأثر، وإيجاد بدائل لها أكثر سموًا وفعالية.
ولذا ينبغي لكل منا أن يحدد المركز الأساسي الذي تنبع منه كل اهتماماته وتصرفاته، فهذه أول خطوة في تحديد رسالة الحياة.
المركز الأوحد:
الأمر الوحيد الذي يستطيع المرء أن يتمركز حوله هو القيم والمبادئ، فهو الشيء الذي لا يتغير بتغير الظروف والأحوال، بخلاف باقي الأمور الأخرى، فالمال مهدد بالضياع، والزواج مهدد بالانفكاك وغير ذلك مهدد بعدم الاستقرار، إلا القيم والمبادئ القويمة، فهي التي تدفع الإنسان إلى الاهتمام بكل تلك المراكز الأخرى بلا إفراط ولا تفريط.
تلك المبادئ والقيم (التي نادى بها محمد صلى الله عليه وسلم وهو في مكة في السفوح، ونادى بها وهو في الطائف، ونادى بها وهو في المدينة، وحينما بعث له عمه أبو طالب ليساومه على مبادئه أعلنها بقوة وثبات قائلًا: "والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته" [الروض الأنف، السهيلي، (2/6)].
كما إن التمركز حول المبادئ والقيم يحرر المرء من الخوف والقلق؛ (لأنه يستند على قاعدة صلبة لا تتوفر لمن يقدس الثروة أو الزوجة أو العمل، إنها تعطيه قوة تنبع من إيمانه بذاته وقدراته، فهو يستطيع أن يبدأ دائمًا من جديد حتى لو فقد عمله أو ماله، فلا يقتله الحزن أو يفقد الأمل في الحياة مهما صادفه من عقبات) [صناعة الهدف، هشام عبد العزيز - صويان الهاجري وآخرون، ص(119)].
ولذا فإن (القيم والمعتقدات هي البرمجة والقوة والحافز وراء كل ما نقوم به في حياتنا اليومية أيًّا كان، فهي جميعها تضخ الطاقة والحافز والدافع وراء أفعالنا ... وعيش المرء حياة تتسق مع قيمه يعد عنصرًا شديد الأهمية في منظومة السعادة) [السعادة، هيثر سامرز وآن واتسون، ص(114)].
بالمثال يتضح المقال:
(ولنفترض الليلة أنك دعوت زوجتك إلى نزهة، وكانت شغوفة بالذهاب، والساعة الآن الرابعة بعد الظهر.
وفجأة يطلب منك مديرك في العمل أن تأتيه في المساء للمساعدة في أمر اجتماع هام سوف يعقد في التاسعة صباح اليوم التالي.
فإذا ما نظرت من منظار مركز الزواج أو مركز العائلة فإن زوجتك ستكون محل اهتمامك الاول، ويمكنك أن تبلغ مديرك في العمل أنك لن تلبي مطلبه، وإنك سوف تأخذها إلى النزهة في محاولة منك لإسعادها، ويمكنك أيضًا أن تشعر بضـرورة البقاء في العمل لحماية وظيفتك، إلا إنك ستقوم بذلك وأنت قلق على رد فعل زوجتك محاولًا تبرير قرارك.
أما إذا كنت تنظر من منظار مركز الأموال فإن فكرك الأول سوف يتجه إلى المقابل المادي، وإلى الوقت الإضافي الذي سوف تقوم به، وآثار عملك في وقت متأخر على احتمال زيادة راتبك، ويمكنك محادثة زوجتك هاتفيًا وإبلاغها ببساطة أن عليك أن تبقى في العمل، وتفترض أنها سوف تتفهم المطالب الاقتصادية وما لها من أولوية.
أما إذا كنت متمركزًا حول العمل، فيمكنك أن تفكر في الفرصة المتاحة أمامك، حيث يمكنك أن تتعلم أكثر عن دقائق العمل، ويمكنك أيضًا إيضاح بعض الأمور لرئيسك وتدعم موقعك الوظيفي، بالإضافة إلى أنك ستشعر بالرضا لشعور الآخرين ومنهم زوجتك أنك جاد في عملك.
أما إذا كنت متمركزًا حول الممتلكات، فقد تفكر في الأشياء التي سوف تقتنيها بالمال الذي سوف تحصل عليه أو بالسمعة التي سوف تحصل عليها مقابل البقاء بعد ساعات العمل، خاصة عندما يثني الجميع عليك لتضحيتك والتزامك بالعمل.
أما إذا كنت متمركزًا حول المبادئ فإنك سوف تحاول تجنب مشاعر الموفق وغير ذلك من العوامل التي قد تؤثر عليك، وتعمل على تقويم الخيارات، والنظر إلى الكل بتوازن، فستنظر في احتياجات العمل ولوازم الأسرة وغير ذلك من الاحتياجات للقرارات العديدة البديلة، فإنك سوف تحاول التوصل إلى الحل الأمثل مع أخذ كل العوامل في الاعتبار) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص (175-177)].
إذًا فالقرار الصادر عن اتخاذ المبادئ كمركز ومحور، يتميز بعدة أمور:
أولًا ـ أن هذا القرار نابع من الشخص نفسه دون التأثر بآراء الآخرين، أو بالظروف المختلفة.
ثانيًا ـ إن هذا القرار سيسهم في تحقيق قيم هذا الشخص في الحياة، لأن الشخص إذا بقى في عمله فهذا يدل على حرصة بصدق على مصالح الشركة.
ثالثًا ـ سيشعر صاحب هذا القرار بالسعادة والراحة لأن هذا القرار نابع من مبادئه وقيمه.
وخلاصة القول:
يجب أن تكون رسالة حياتنا الشخصية نابعة من مركز واحد للحياة ألا وهو مركز المبادئ والقيم، وإلا فمهما ادعينا أن لنا رسالة نعيش من أجلها، فلن نكون صادقين إلا إذا كانت حياتنا متمركزة متمحور حول المبادئ والقيم؛ لأننا لن نستطيع أن نعيش لأجل المبادئ والقيم المتضمنة في رسالة حياتنا إذا كان مركز حياتنا قائم على أمور كالمال أو أو الزوج أو المتعة أو الممتلكات.
(إن وجود رسالة حياة شخصية قائم على مبادئ صحيحة أصبح معيارًا لكل فرد منا، فهو الدستور الشخصي والقاعدة المؤدية إلى اتخاذ القرارات الرئيسية في الحياة) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(150)].
المصادر:
· العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي.
· السعادة، هيثر سامرز وآن واتسون.
· صناعة الهدف، هشام عبد العزيز - صويان الهاجري وآخرون.
· الروض الأنف، السهيلي.

شكرا على الافادة